يعد التحكيم بمثابة طريق استثنائي لتسوية المنازعات بين الاطراف، حيث يلجا الاطراف الى التحكيم بارادتهم المنفرده، وعادة ما يلجا اطراف النزاعات الناشئة عن تنفيذ عقود المقاولات الى التحكيم نظرا لسهولة قواعد الاثبات الواردة في التحكيم، ولذا فقد راينا انه لزاما علينا باعتبارنا محامون متخصصون في التحكيم في عقود المقاولات ان نوضح الجوانب الاساسية في التحكيم في عقود المقاولات.

اولا : ماهية عقد المقاولة فى ضوء نصوص القانون المدنى المصري:

ان عقد المقاولة من العقود المسماة التى وضع لها القانون المدنى نظاما خاصا ، لما يميزها من حيث انها تكون الاكثر شيوعا ، وتنظم تصرفات وتعاملات قانونية مميزة ويفضل بالتالى إفراد تنظيم معين لكل نوع من هذه العقود على حدة تتناسب مع تميز تلك المعاملات التى تحكمها ، وبالتالى يمكننا توضيح السمات العامة لعقود المقاولات فى ضوء القانون المدنى حيث عرفت المادة 646 من القانون المدنى عقد المقاولة كالتالى :

" المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه احد المتعاقدين ان يصنع شيئا ، او ان يؤدى عملا لقاء اجر يتعهد به المتعاقد الآخر "

اى ان عقد المقاولة يتميز بعدة خصائص :

1- انه عقد رضائى غير شكلى   2- وهو عقدا ملزما للجانبين   3- و يعتبر من عقود المعاوضة

حيث يقع التراضي فيه على عنصرين اثنين أحدهما الشيء او العمل المطلوب من المقاول ، وثانيهما الأجر الذي يتعهد به صاحب العمل ، كما يتميزعقد المقاولة عن عقدى الايجاروالعمل ، من حيث طبيعة التعامل والعلاقة بين اطرافه ومن حيث المدة ايضا فى اغلب الاحوال .

و يقع التراضي في عقد المقاولة على عنصرين ايضا هما :

1)الشيء او العمل المطلوب صنعه أو تأديته من المقاول وهو أحد المتعاقدين.

 2)الأجر او الثمن الذي يتعهد به صاحب العمل لقاء ما يقوم به الطرف الآخر من اعمال .

وجدير بالذكر انه يتعين والحال كذلك تنظيم عقد المقاولات بطريقة اختصاصية وتفصيلية ويجب أن يتضمن مجموعة  نقاط أساسية يجب ملاحظتها عند التعاقد :

1- تحديد مسؤولية المالك عن تأمين بعض المتطلبات الخاصة بالمشروع مثل المعدات أو الأدوات أو تسليم المكان خالى من الشواغل بحسب الاحوال .

2-  التأكد من عدم تعارض بنود العقد ومدى توافقها مع قوانين البلد الذي يكون المشروع قائما باراضيه.

3- يجب التوضيح وبشيء من التفصيل المواصفات المطلوبة والجودة المتفق عليها وكذلك الأسعار وتوضيح كيفية التعامل المادي بين الطرفين والدفعات المالية المقدمة وكيفية تقديمها ومراحل التقديم.

4- غالبا توضع شروط خاصة بعقد المقاولات مثل شرط التحكيم، وغرامة التأخير ،وفترة الصيانة ، وتحديد مقدار تلك الغرامة بدقة ، بحيث يتم تحديدها بحسب الاحوال عن كل يوم أو كل شهر وكذا تحديد طريقة تحمل المخاطر التي قد تحدث فى الظروف العادية  .

5- تحديد طريقة التنفيذ وتحديد زمن المشروع النهائي وإذا أمكن تحديد كل مرحلة حسب الترتيب من حيث الاولوية ،مثل تجهيز الموقع قبل تجهيز مكان لاقامة العمال.. الخ. 

ثانيا : وضع "شرط التحكيم" بعقد المقاولات او ارفاق "مشارطة تحكيم" واهمية ذلك من الناحية العملية :

ا- فائدة اللجوء للتحكيم فى عقود المقاولات :

يعد اللجوء للتحكيم فى عقود المقاولات  ذو اهمية عملية كبيرة ، حيث يعتبر الحل الاسرع للوصول الى حكم فاصل فى حالة وقوع نزاع بين اطراف العقد ، ولما يتميز به التحكيم من مرونة بجانب السرعة والسرية وتوافر الخبرة فى اصدار الراى والحكم لانهاء اى نزاع قد ينشب بين الاطراف حول  تنفيذ بنود التعاقد  ، لذا يبحث اطراف النزاع فى عقود المقاولات عن محكمين من ذوى الخبرة الهندسية للفصل فى موضوع النزاع المطروح ، وقد يكون تحديد اللجوء للتحكيم بين اطراف التعاقد من خلال بند متضمن بعقد المقاولات نفسه ، وفى هذه الحالة يسمى " شرط التحكيم " ، وقد يكون الاتفاق على التحكيم من خلال ما يسمى ايضا ب " مشارطة التحكيم  " ،  والفرق الجوهرى بينهما انه يتم تضمين "شرط التحكيم" ببنود العقد   -   مع مراعاة الوضع الخاص لهذا البند عن باقى بنود العقد كما سيلى بيانه -   حيث يجوز ان يتفق اطراف التعاقد على اللجوء للتحكيم فى حالة حدوث اى نزاع حول تنفيذ العقد وفى هذه الحالة يكون الاتفاق سابقا على نشوب النزاع ، اما "مشارطة التحكيم" تكون بوثيقة مستقلة يمكن الاتفاق عليها بين الاطراف والتوقيع على ما جاء فيها بعد وقوع النزاع بالفعل وهذا ما يميز بين الطريقتين فى اللجوء للتحكيم  ، وجدير بالذكر ان التحكيم يتميز ايضا بقدر اكبر من السهولة بخصوص "الاثبات" للوقائع والمستندات دون التقيد  باجراءات خاصة بهذا الصدد كما هو الحال فى اللجوء للقضاء العادى .

ب- ما يميز البند المتضمن لشرط التحكيم عن باقى بنود العقد :

ان البند الذى يحتوى على شرط التحكيم ليس بندا عقديا موضوعيا ، بل بندا إجرائيا فى الواقع وله طبيعة قانونية خاصة ايضا ، فهو يعد بندا مستقلا لا يتاثر بباقى بنود العقد ولا بالعقد ككل الا فيما يتعلق باختصاصه ، اما من ناحية وجوده وقوته فهو بند مستقل بشكل تام ، ويمكننا اعتباره عقدا بداخل عقد ، وكأن العقد الذى يتضمن شرط تحكيم هو فى حقيقته عقدان تجمعهما وثيقة واحدة .

ج- ما يميز "مشارطة التحكيم " عن " شرط التحكيم " :

 فكما ذكرنا آنفا من جواز أن يتم الاتفاق على التحكيم بصورة لاحقة لقيام النزاع من خلال وثيقة مستقلة تسمى " مشارطة التحكيم" واهم ما يميزها انها قد يتم انشاؤها وتوقيعها بين الاطراف بعد وقوع النزاع ، ولو كان ذلك النزاع معروضاً على القضاء للفصل فيه وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق الوارد بالوثيقة المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق برمته باطلاً.

 ثالثا : حول إجراءات التحكيم فى عقود المقاولات :

أ - ويتعين هنا التفرقة بين حالتين :

1-ان يكون التحكيم مؤسسيا :

وفى هذه الحالة لا يكون العقد فقط هو شريعة المتعاقدين بخصوص شرط او مشارطة التحكيم خلاف المبدا المتبع عملا وقانونا ، لان فى التحكيم المؤسسى يكون الضابط لكافة ما يخص العملية التحكيمية هو قواعد المركز، وتكون تلك القواعد مشتملة على تحديدا دقيقا  لكل ما يخص التحكيم بين اطراف العقد فى حالة نشوب اى نزاع ، كما انه ينظم اجراءات تلك العملية التحكيمية تنظيما تاما ومعدا بشكل مسبق ، فاذا اتفق اطراف العقد على ان يكون التحكيم طبقا لذلك التقنين ، لا يجوز بعد ذلك الخروج على نصوصه وتنظيماته .

2- او ان يكون التحكيم حرا :

وعلى الرغم من اننا لا ننصح بان يكون التحكيم حرا الا انه في التحكيم الحر يكون هناك قدر اكبر من الحرية لاطراف التعاقد ليحددوا كثيرا من إجراءات وشكل الاتفاق على اللجوء للتحكيم ولكن بالطبع يكون ذلك دون التعارض مع القانون فى دولة مكان التحكيم لو ورد به نصا ملزما لتنظيم اجراء او اكثر من اجراءات التحكيم بحسب الاحوال ، ويمكن تحديد المحكمين الذين يتم الاستعانة بهم ايضا  فى تلك العملية بتضمين ذلك  بشرط او مشارطة التحكيم ،اما اذا وقع نزاع ونحن بصدد تحكيما حرا ولم يتفق الطرفان على اختيار المحكمين ، فلو كانت هيئة التحكيم تتشكل من محكم واحد تتولى المحكمة اختياره بناء على طلب اى من الأطراف ، ولو كانت هيئة التحكيم تتكون من ثلاثة محكمين يختار فى هذه الحالة كل طرف من الاطراف محكم عنه ثم يتفق المحكمان بعد اختيارهما على اختيار المحكم الثالث ، كما ان فى حالة لو لم يعين اى من الاطراف المحكم الخاص به خلال الثلاثون يوما التالية لتسلم الطلب بذلك من الطرف الطالب ، او فى حالة عدم اتفاق المحكمان اللذان تم اختيارهما على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثون يوما التالية ليوم تعيين الاخير منهما ، تتولى المحكمة اختيار المحكم بناء على طلب اى من الاطراف ، وفى كل الاحوال يجب ان يكون عدد المحكمين الذين تقوم بتعيينهم المحكمة مساويا للعدد الذى تم الاتفاق عليه فيما بين اطراف العقد.

ب - فى كيفية تحديد لغة التحكيم والاتفاق عليها بين اطراف التعاقد :

يتم الاتفاق بين الاطراف على اللغة التى سوف تتم بها عملية التحكيم وكافة اجراءاته وفى حالة عدم الاتفاق تكون اللغة الخاصة بمكان التحكيم هى المستخدمة او قد يتولى تحديد اللغة هيئة التحكيم ذاتها ، فعلى سبيل المثال فقد نصت المادة 29 من قانون التحكيم المصرى على الآتى :

"1 - يجرى التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى ويسري حكم الإتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذآرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وآذلك على القرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك.

2 - ولهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق بكل أو بعض الوثائق المكتوبة التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم وفي حالة تعدد هذه اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها."

ج - بخصوص اختيار مكان التحكيم :

يكون اختيار مكان التحكيم خاضعا فى كل الاحوال لارادة واتفاق الاطراف ، بشرط ملائمة المكان الذى تم اختياره ، الا ان هيئة التحكيم قد ترى الاجتماع فى اى مكان لمباشرة بعض الاجراءات ، بل انه فى حالة عدم اتفاق الاطراف على المكان ، تقوم بتعيينه هيئة التحكيم ، وذلك ما نصت عليه المادة 28 من القانون المصرى بتقريرها انه :

"   لطرفي التحكيم الإتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها فإذا لم يوجد إتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها ، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من اجراءات التحكيم أو سماع أطراف النزاع أو الشهود أوالخبراء أو الإطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك. "

د - بخصوص عدد المحكمين :

يكون الاتفاق على عدد المحكمين بين الاطراف بشرط او مشارطة التحكيم على حد سواء ، الا انه ينبغى ان يكون (وترا) دائما ، اى عددا فرديا ، فقد يتم الاتفاق على محكم واحد او ثلاثة محكمين على سبيل المثال .

ه - الاتفاق على مدة التحكيم :

قد يضع اطراف التعاقد سقفا زمنيا للوصول الى حكم فاصل فى النزاع ، حيث لا يكون من مصلحة اى طرف اطالة امد النزاع دون داعى ، بل ان عدم تحديد مدة معينة لانهاء اجراءات التحكيم والوصول لحكم فاصل فى النزاع يتعارض بطبيعته مع الغاية التى لجأ بسببها الاطراف للتحكيم اصلا ، فكما ذكرنا آنفا ان اللجوء للتحكيم يكون بسبب رغبة المتعاقدين فى حل النزاعات بخصوص تعاقدهم بشكل اسرع من القضاء العادى، فحفاظا على تلك الميزة الهامة قد يلجأ الاطراف لتحديد تلك المدة لانهاء النزاع بحكم فاصل ينهية .  

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.