المقدمة
يعد التحكيم من الوسائل البديلة الهامة لتسوية النزاعات التجارية، نظراً لما يوفره من سرعة في الإجراءات ومرونة في التعامل مقارنةً بالقضاء التقليدي. ومن أهم المسائل التي تواجه هيئة التحكيم قدرتها على إصدار قرارات وقتية وتدابير احترازية لحماية مصالح الأطراف المتنازعة إلى حين صدور الحكم النهائي.
وتكمن أهمية هذا البحث في دراسة مدى سلطة هيئة التحكيم في إصدار تلك التدابير، مع مقارنة بين القانونين القطري والسعودي، وهما نظامان يتمتعان بأصول قانونية مختلفة، حيث يعتمد القانون القطري على قوانين مستوحاة من التشريعات الدولية الحديثة، في حين يعتمد النظام السعودي على الشريعة الإسلامية مع تطعيمه ببعض المعايير الحديثة.
ويهدف البحث إلى تحليل النصوص القانونية، واستعراض الأحكام القضائية ذات الصلة لتحديد نقاط القوة والقصور في كلا القانونين، وتقديم توصيات لتحسين الإطار القانوني والتنفيذي للتدابير الوقتية في التحكيم.
1- مفهوم القرارات والتدابير الوقتية في التحكيم
1.1 تعريف القرارات الوقتية والتدابير الاحترازية:
القرارات الوقتية هي تلك التي تصدرها هيئة التحكيم لضمان حقوق أحد الأطراف حتى صدور الحكم النهائي. وتهدف إلى حماية المصلحة القانونية التي قد تتأثر سلباً بفعل تأخر صدور الحكم النهائي.
2.1 أنواع التدابير الوقتية
تشمل التدابير الوقتية:
- الحجز التحفظي: منع الأطراف من التصرف في أموال معينة.
- وقف التنفيذ المؤقت: وقف تنفيذ قرار أو تصرف معين لحين حسم النزاع.
- تدابير تتعلق بحماية الأدلة: مثل منع إتلاف مستندات أو أدلة قد تكون حاسمة في النزاع.
3.1 أهمية التدابير الوقتية في التحكيم
تلعب التدابير الوقتية دوراً مهماً في توفير حماية فورية للمصالح القانونية للأطراف، وتمنع الضرر الذي قد ينشأ عن تأخير الفصل في النزاع. ولكن، بسبب غياب سلطة تنفيذية مباشرة لهيئة التحكيم، يتطلب تنفيذ هذه التدابير أحياناً تدخل القضاء المحلي، مما يُثير تساؤلات حول فعالية هذه التدابير في التطبيق العملي.
2- الإطار القانوني للقرارات الوقتية في القانون القطري والسعودي
1.2 في القانون القطري
- يعتمد قانون التحكيم القطري رقم 2 لسنة 2017 على أحكام قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي.
- ينص القانون القطري على أن هيئة التحكيم لها صلاحية إصدار التدابير الوقتية ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك بين الأطراف.
- يشترط القانون القطري موافقة القضاء المحلي لتنفيذ بعض التدابير، خاصةً إذا كانت تتعلق بأموال أو تصرفات تحتاج إلى قوة تنفيذية.
حيث تنص المادة 17 من قانون التحكيم القطري على أنه:
1- ما
لم يتفق
الأطراف
على خلاف
ذلك، يجوز
لهيئة
التحكيم
بناءً على
طلب أي من
الأطراف،
أن تأمر
بتدابير
مؤقتة أو
تصدر
أحكاماً
وقتية
تقتضيها
طبيعة
النزاع أو
بغرض توقي
ضرر قد لا
يمكن جبره،
بما في ذلك
أي مما يلي:
أ) إبقاء
الحال على
ما هو عليه
أو إعادته
إلى ما كان
عليه لحين
الفصل في
النزاع.
ب) اتخاذ أي
إجراء يمنع
حدوث ضرر
حال أو وشيك
أو المساس
بعملية
التحكيم
ذاتها، أو
منع اتخاذ
إجراء
يحتمل أن
يسبب أياً
من ذلك.
ج) توفير
وسيلة
للمحافظة
على
الموجودات
التي يمكن
بواسطتها
تنفيذ أي
قرارات
لاحقة.
د) المحافظة
على الأدلة
التي قد
تكون هامة
أو جوهرية
للفصل في
النزاع.
ويجوز
لهيئة
التحكيم أن
تطلب من
الطرف الذي
يطلب اتخاذ
هذه
الإجراءات،
تقديم ضمان
كاف لتغطية
نفقات
التدبير
المؤقت
الذي أمرت
به أو الحكم
الوقتي
الذي
أصدرته.
2- يجوز
لهيئة
التحكيم أن
تعدل أو
تعلق أو
تلغي
تدبيراً
مؤقتاً
أمرت به أو
حكماً
وقتياً
أصدرته،
بناءً على
طلب يقدمه
أحد
الأطراف أو
من تلقاء
نفسها في
حالات
الضرورة،
وذلك بعد
إخطار باقي
الأطراف.
3- يجوز
للطرف الذي
صدر أمر
بتدبير
مؤقت أو حكم
وقتي
لصالحه،
بعد حصوله
على إذن
كتابي من
هيئة
التحكيم،
أن يطلب من
القاضي
المختص أن
يأمر
بتنفيذ
الأمر أو
الحكم
الصادر من
هيئة
التحكيم أو
أي جزء منه.
وترسل نسخ
من أي طلب
للحصول على
الإذن أو
للتنفيذ،
بموجب هذه
المادة،
إلى باقي
الأطراف.
ويأمر
القاضي
المختص
بتنفيذ
الأمر أو
الحكم
المشار
إليه، ما لم
يكن
مخالفاً
للقانون أو
النظام
العام.
4- يتحمل
الطرف الذي
يطلب
التدبير أو
الحكم
التكاليف
والتعويضات
عن أي أضرار
قد يسببها
ذلك
التدبير أو
الحكم لأي
طرف، وذلك
إذا قررت
هيئة
التحكيم في
وقت لاحق
أنه لم يكن
ينبغي
إصدار
التدبير أو
الحكم في
تلك الظروف.
ويجوز
لهيئة
التحكيم أن
تُلزم ذلك
الطرف
بسداد
التكاليف
والتعويضات
في أي وقت
أثناء
الإجراءات.")
2.2 في القانون السعودي
- يستند نظام التحكيم السعودي (مرسوم ملكي م/34 لعام 1433هـ) إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، ولكنه يستفيد من بعض قواعد التحكيم الحديثة.
- يمنح النظام السعودي هيئة التحكيم صلاحية إصدار التدابير الوقتية، ولكنه يشترط الحصول على إذن من المحكمة المختصة لتنفيذ هذه التدابير.
حيث تنص المادة 23 من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم ملكي رقم 34 وتاريخ 24/5/1433ه، على أنه:
1-
يجوز لطرفي
التحكيم
الاتفاق
على أن يكون
لهيئة
التحكيم –
بناًء على
طلب أحدهما
– أن تأمر
أيًا منهما
باتخاذ ما
تراه من
تدابير
مؤقتة أو
تحفظية
تقتضيها
طبيعة
النزاع
ولهيئة
التحكيم أن
تلزم الطرف
الذي يطلب
اتخاذ تلك
التدابير
تقديم ضمان
مالي مناسب
لتنفيذ هذا
الإجراء.
2- إذا تخلف
من صدر عليه
الأمر عن
تنفيذه جاز
لهيئة
التحكيم
بناءً على
طلب الطرف
الأخر أن
تأذن لهذا
الطرف في
اتخاذ
الإجراءات
الازمة
لتنفيذه.
وذلك دون
الإخلال
بحق الهيئة
أو الطرف
الأخر في أن
يطلب من
الجهة
المختصة
تكليف من
صدر عليه
الأمر
بتنفيذه").
3.2 مقارنة بين القانونين
- يتمتع النظام القطري بمرونة أكبر في منح هيئة التحكيم صلاحيات واسعة لإصدار التدابير الوقتية دون قيود صارمة.
- في المقابل، يُقيّد النظام السعودي هذه الصلاحيات بالضرورة الشرعية وبإشراف قضائي صارم.
حيث في القانون القطري ووفق نص المادة 17 من قانون التحكيم ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم في اصدار التدابير الوقتية دون أن يتطلب ذلك اتفاق مسبق بين الأطراف على سلطة هيئة التحكيم في إصدارها، ودون أن يمس ذلك بالاختصاص الأصيل للقضاء في إصدارها كذلك.
وفي القانون السعودي، فإنه ولصلاحية إصدار الأوامر الوقتية من قِبل هيئة التحكيم؛ هناك عدد من الإجراءات التي يتطلب وجودها لتكتسب الأوامر الوقتية الحجية وتكون منتجة لأثارها، وهي:
أولاً: وجود
اتفاق بين
أطراف
التحكيم
متضمن أن
يحق لهيئة
التحكيم
القيام
باتخاذ
التدابير
الوقتية.
ثانياً: أن
يقدم أحد
أطراف
التحكيم
طلب اتخاذ
أمر وقتي
إلى هيئة
التحكيم،
فهيئة
التحكيم
ليس لها
الحق في
اتخاذ
تدابير
وقتية من
تلقاء
نفسها ولكن
بناء على
طلب يقدم
اليها من
أحد
الخصوم.
ثالثاً: أن
يكون تقديم
الطلب
أثناء سير
إجراءات
التحكيم،
حيث ان
الثابت
لاتخاذ
التدابير
الوقتية
قبل البدء
في إجراءات
التحكيم
يكون من
اختصاص
المحكمة
المختصة
كما سبق
بيانه.
رابعاً: أن
يكون تقديم
الطلب بعد
البدء في
إجراءات
التحكيم
وقبل صدور
الحكم
المنهي
للخصومة1 .
وباستقراء القواعد القانونية آنفة البيان، نجد أن كلاً من النظام السعودي والقانون القطري قد سارا في ذات النهج فيما يتعلق بمسألة استصدار هيئة التحكيم قرارات وقتية أو تحفظية، حيث اشترك كلا النظامين القطري والسعودي في إمكانية استصدار تدابيراً وقتية بنوعيها (أوامر أو أحكام) دون أن يتطلب ذلك حالات معينة شريطة وجود اتفاق بين طرفي النزاع على ذلك.
علاوة على ذلك، اتفق القانونان (القطري والسعودي) ايضاً على أنه يجوز تنفيذ القرارات الوقتية او التحفظية الصادرة من هيئة التحكيم عن طريق اللجوء للمحكمة صاحبة الاختصاص، وذلك لتنفيذ قرار هيئة التحكيم.
3- دور القضاء في دعم أو تعطيل قرارات التحكيم الوقتية
1.3 العلاقة بين هيئة التحكيم والقضاء الوطني
يُعتبر التعاون بين هيئة التحكيم والقضاء الوطني ضروريًا لتنفيذ القرارات الوقتية. ويتعين على الأطراف التوجه إلى القضاء للحصول على دعم تنفيذي لتنفيذ الأوامر الصادرة عن هيئة التحكيم.
2.3 موقف القضاء القطري
- تدعم محكمة التمييز القطرية تنفيذ قرارات التحكيم ما لم تتعارض مع النظام العام أو آداب المجتمع.
- في بعض القضايا، تدخل القضاء لتعطيل تنفيذ تدابير وقتية إذا رأت المحكمة أن الهيئة تجاوزت سلطاتها.
3.3 موقف القضاء السعودي
- يشترط النظام السعودي الحصول على إذن قضائي قبل تنفيذ أي تدابير وقتية، وهو ما يعكس حرص النظام على مراعاة الشريعة الإسلامية وضمان عدم تجاوز هيئة التحكيم لحدودها.
- أظهرت بعض أحكام محاكم التنفيذ في السعودية تعاونًا مع هيئات التحكيم، ولكن في حالات أخرى تدخل القضاء لإبطال تدابير رأت أنها تخالف النظام العام.
4- الضمانات والإجراءات المرتبطة بإصدار التدابير الوقتية
1.4 شروط قبول التدابير الوقتية
- وجود مصلحة مستعجلة: يتعين على طالب التدبير أن يثبت وجود ضرر محتمل إذا لم يُتخذ التدبير فورًا.
- عدم المساس بجوهر النزاع: يجب أن يكون التدبير مؤقتًا وألا يتضمن حكمًا في أصل النزاع.
- تقديم ضمانات مالية: قد تشترط الهيئة تقديم كفالة مالية لتعويض الطرف الآخر في حالة الضرر.
2.4 مقارنة بين النظامين القطري والسعودي
- يجيز النظام القطري لهيئة التحكيم أن تطلب تقديم ضمانات مالية من طالب التدبير الوقتي.
- في السعودية، تُعطى أهمية كبيرة لضمان عدم مخالفة التدابير للشريعة الإسلامية، وقد يطلب القضاء ضمانات إضافية.
5- التحديات العملية التي تواجه هيئة التحكيم في إصدار التدابير الوقتية
1.5 صعوبة التنفيذ الدولي للتدابير الوقتية
حيث تواجه الأطراف في التحكيم الدولي صعوبة في تنفيذ التدابير الوقتية عبر الحدود، خاصة إذا لم يكن هناك تعاون قضائي بين الدول.
2.5 تعارض القرارات مع النظام العام
حيث يمكن أن تُرفض بعض التدابير إذا رأت المحاكم أنها تتعارض مع النظام العام، وهو مفهوم يختلف من دولة إلى أخرى.
3.5 غياب التعاون الكافي بين القضاء والتحكيم
حيث على الرغم من تطور الأنظمة القانونية، لا يزال هناك توتر بين سلطات التحكيم والقضاء في بعض الحالات.
6- عرض لبعض المشكلات العملية في اصدار القرارات والتدابير الوقتية
نعرض لهذه المشكلات باستفسارات، نجيب عليها من خلال القواعد والتطبيقات القضائية بالنظامين كالتالي:
1.6 هل يسلب اختصاص هيئة التحكيم بإصدار قرارات وقتية او تحفظية سلطة القضاء في إصدار ذات القرارات الوقتية الخاصة بنزاع التحكيم المنظور أمامها؟
في ظل قانون التحكيم القطري رقم 2 لسنة 2017:
نظم قانون التحكيم القطري مسألة اصدار هيئة التحكيم تدابير وقتية أو تحفظية، وذلك بموجب المادة 17 منه، ومن خلالها ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم بإصدار القرارات والتدابير الوقتية، بجانب القضاء المختص بنظر النزاع، وبالتالي لا يسلب هذا الاختصاص لهيئة التحكيم، سلطة القضاء في اصدار هذه القرارات والتدابير الوقتية.
وفي هذا السياق، قضت محكمة التمييز القطرية بأنه:
("لما كانت
الحلول
الوقتية
والمستعجلة
لا تحتمل
بطبيعتها
التأخير أو
الارجاء،
كما أنها قد
تتطلب
استخدام
سلطة الجبر
التي لا
يملكها إلا
قضاء
الدولة،
ونظراً لأن
قضاء
التحكيم
يُعد قضاءً
استثنائياً
وبالتالي
لا يجوز
التوسع في
تفسير
مصدره
شرطاً كان
أم مشارطة
تحكيم، فإن
قضاء
الدولة يظل
هو
المختص-كأصل
عام- باتخاذ
التدابير
الوقتية أو
التحفظية
ما لم يُتفق
صراحة على
منح سلطة
البت في
اتخاذها
إلى هيئة
التحكيم،
وإذ خلا
قانون
المرافعات
من ثمة نصوص
تجيز
للمحكم
اتخاذ
تدابير
مؤقتة أو
تحفظية
سواء قبل
البدء في
إجراءات
التحكيم أو
أثناء
سيرها، فإن
الاختصاص
بنظرها
يبقى
لمحاكم
الدولة.")
(محكمة
التمييز
القطرية،
الطعن رقم
72/2012، الدائرة
المدنية
والتجارية،
تاريخ
الجلسة 12/06/2012)
في ظل نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34 وتاريخ 1443/05/24 ه 2:
في هذا المقام يجب أن نفرق بين حالتين:
أ- في حال تقدم أحد طرفي النزاع بطلب اتخاذ التدابير الوقتية او تحفظية قبل تشكيل هيئة التحكيم:
نظم النظام السعودي سلطة إصدار التدابير الوقتية تنظيماً لا يخل باختصاصات كل من القضاء وهيئة التحكيم، حيث أخذ بنموذج الاختصاص المشترك بين القضاء وهيئة التحكيم، بمعنى أنه أعطى الاختصاص الأصيل بنظر طلبات التدابير الوقتية او التحفظية إلى القاضي الموضوعي صاحب الاختصاص بذلك، وذلك بموجب النصوص والقواعد الوارد ذكرها في نظام المرافعات الشرعية حال عدم البدء في تشكيل الهيئة، علاوة على ان النظام السعودي لم يسلب هيئة التحكيم سلطة استصدار قرارات وقتية او تحفظية بشقيها (الأوامر والأحكام)، بل ترك أمر تحديد الجهة المختصة بناءً على وقت تقديم الطلب، فإذا تم قبل تشكيل هيئة التحكيم فإنه يجب اللجوء إلى المحكمة المختصة للفصل في الطلبات الوقتية او التحفظية المطلوب استصدار امر او قرار بشأنها.
حيث نصت المادة 22 من نظام التحكيم السعودي على أنه:
("للمحكمة المختصة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم قبل البدء في إجراءات التحكيم.")
علاوة على ما سبق، فإن اللجوء إلى القضاء لطلب اتخاذ تدبير وقتي أو تحفظي لا يتنافى مع وجود اتفاق التحكيم -بصوره الثلاثة سواء شرط أو مشارطة أو الإحالة- أي ان القاعدة العامة هي استصدار القرارات او الأوامر الوقتية او التحفظية من خلال القضاء لانعقاد الاختصاص الأصيل له، لا سيما ان الاختصاص الاستثنائي يعقد لهيئة التحكيم اتفاقاً بين الأطراف وينعقد استثناءً بعد تشكيل الهيئة3 .
ب- في حال تقدم أحد طرفي النزاع بطلب اتخاذ التدابير الوقتية او التحفظية بعد تشكيل هيئة التحكيم وأثناء نظر النزاع المرفوع أمامها:
لما كان الثابت ان الاختصاص الأصيل باستصدار قرارات او أوامر وقتية منعقد للقضاء ابتداءً، إلا أنه ومع ذلك فقد منح النظام هذه السلطة إلى هيئة التحكيم إعمالاً لنص المادة 23 من نظام التحكيم السالف ذكرها تفصيلاً آنفاً.
وعليه، يتضح بأن هذه التدابير التي تصدرها هيئة التحكيم بناءً على اتفاق الأطراف تكون في صورة أوامر وقتية أو تحفظية، وهذه الأوامر تصدر بناءً على تقدير هيئة التحكيم نظرًا إلى أن نظام التحكيم لم ينص على إصدار الأوامر الوقتية في أحوال معينة كما هو الحال في القضاء ووفقاً لنصوص نظام المرافعات الشرعية، وفي جميع الأحوال فإن سلطة هيئة التحكيم فيما يخص طلب التدابير المؤقتة او التحفظية هي مطلقة ما لم يتم تقييدها بنص قانوني وارد على سبيل الحصر في قانون التحكيم أو اتفاق الأطراف.
ولما كان الثابت انعقاد الاختصاص المشترك لهيئة التحكيم والقضاء في ذات الوقت بصورة مستقلة كلاً حسب اختصاصاته المتعلقة باستصدار القرارات الوقتية او التحفظية، حيث أنه حال وجود اتفاق بين طرفي التداعي على سلطة الهيئة في إصدار أوامر وقتية، فللهيئة استصدار قرارات أو أوامر تدابير وقتية أو تحفظية عند وجود مقتضى لذلك بناءً على طلب من يهمه على أن يتم الاتفاق على ذلك بين طرفي النزاع وذلك إعمالاً للفقرة الخامسة من المادة 39 والتي نصت على أنه:
("لهيئة التحكيم أن تصدر أحكامًا وقتية أو في جزء من الطلبات، وذلك قبل إصدار الحكم المنهي كلها، ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك.")
– كما يحق لهيئة التحكيم اللجوء إلى المحكمة المختصة باتخاذ تدابير وقتية عند وجود طلب مقدم بذلك، إعمالاً للفقرة الأولى من المادة 22 آنفة البيان.
("1- للمحكمة المختصة أن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم قبل البدء في إجراءات التحكيم أو بناءً على طلب هيئة التحكيم أثناء سير إجراءات التحكيم، ويجوز الرجوع عن تلك الإجراءات بالطريقة نفسها، ما لم يتفق طرفا التحكيم على خلاف ذلك.")
وهدياً على سلف عرضه، فإنه وفقًا لنظام التحكيم السعودي فلا يوجد تعارض بين كلاً من سلطة القضاء وهيئة التحكيم فيما يتعلق بمنح التدابير الوقتية او التحفظية، بل يكمل كل منهما الآخر وصولاً لإصدار الحكم المنهي للخصومة.
2.6 هل يجوز لهيئة التحكيم إصدار قرارات وقتية أو تحفظية فيما يتعلق بوقف تسييل الكفالات البنكية في النزاعات الخاصة بعقود الإنشاءات؟
أولاً: في ظل قانون التحكيم القطري4
الكفالة المصرفية هي ضمانة مالية غير مستقلة ولكنها تابعة للالتزام المضمون، فهي عبارة عن عقد بموجبه يتعهد البنك بالوفاء بدين العميل قِبل الغير إذا لم يفِ به العميل نفسه، حيث تُنشئ التزامًا على عاتق البنك وذلك عن طريق تقديم إلى الغير (المستفيد) ضمانة مستقلة تنشئ علاقة مباشرة بين هذا البنك والغير، وذلك بالاستقلال عن علاقة البنك بالعميل الآمر.
وعليه، فإن هذا الاستقلال يجعل الضمانة أقوى، مما يعني بأن العلاقة الناشئة مع البنك علاقة مستقلة، وفي جميع الأحوال يحق لهيئة التحكيم أن تتخذ تدابير وقتية أو تحفظية تقتصر فقط على موضوع النزاع التحكيمي بوقف تسييل الكفالة البنكية حال كان هناك ضرر يُخشى عدم تداركه وصولاً للحكم المنهي للخصومة، وهذه التدابير تتمثل في أن تأمر الهيئة الطرف المعني بوقف التسييل كون البنك طرف مستقل عن طرفي النزاع.
ومن نص المادة 17 من قانون التحكيم القطري الصادر بالقانون رقم 2 لسنة 2017 يمكن لهيئة التحكيم اصدار قرار وقتي بوقف تسييل الكفالات البنكية لحين الفصل في النزاع، حيث يمكن لهيئة التحكيم اتخاذ أي إجراء يمنع حدوث ضرر حال أو وشيك أو المساس بعملية التحكيم ذاتها، أو منع اتخاذ إجراء يحتمل أن يسبب أياً من ذلك.
وتطبيقاً لذلك، استقرت احكام محكمة التمييز إلى أنه:
("أن الكفالات البنكية وإن كانت غير مشروطة فلا بد من التحقق من توافر الشروط الواردة فيها حتى يتم تسييلها بناءً على طلب المستفيد، كما أنه يجب أيضاً التحقق من توافر الشروط المنصوص عليها في القواعد الدولية المنظمة للكفالات البنكية وذلك فيما لم يرد بشأنه نص في القانون القطري.")
(محكمة التمييز القطرية – الطعن رقم 403،503/2023)
وعليه، يتضح بأنه متى ما طلب أحد الأطراف من هيئة التحكيم اتخاذ أي تدبير وقتي، فإنه يكون للأخيرة الحق في الوقوف على هذا الطلب لفحص مدى جديته وتقدير ما إذا كان هذا الطلب قد يُحدث ضررًا لا يمكن تداركه من عدمه. وبذلك، فإن هذا التدبير يرمي في حقيقته إلى ضمان حق الدائن المتقدم بطلب اتخاذ هذا التدبير كي لا يطوله ضررًا لا يُمكن تداركه حال تهرب مدينه أو تصرف الأخير في الأموال المتنازع عليها بشكل يضر بذمته المالية، ومن ثم تعذر الدائن فيما بعد عن التنفيذ على تلك الأموال بعد صدور الحكم التحكيمي المنهي للخصومة.
وفي الرقابة على هذه القرارات والتدابير الوقتية، فقد قبل القضاء القطري الطعن عليها بدعوى البطلان وقبل الفصل في موضوع نزاع التحكيم، بل أنه أبطل هذه القرارات.
حيث قضت دائرة منازعات التحكيم المدني والتجاري بمحكمة الاستئناف القطرية المختصة بنظر دعوى البطلان على أحكام المحكمين، من خلال حكميها الصادرين بجلسة 31/10/2022 في دعويي البطلان رقمي 1715 و1716 لسنة 2022، مبدئاً هاماً في خصوص سلطة المحكمة المختصة ، في إلغاء القرارات والأوامر الوقتية الصادرة من هيئات التحكيم5، بوقف صرف قيمة خطابات الضمان البنكية للمستفيد بها كأحد أطراف نزاع التحكيم، أو إيداعها في حساب ضمان آخر لدى طرف ثالث، أو بأي وسيلة يترتب عليها تعليق أو إعاقة صرف قيمتها للمستفيد، حتى ولو كان الأخير غير مُحقاً في طلب صرفها.
وقد بنت المحكمة المختصة هذا المبدأ على ما قررته بأن القضاء استقر 6 في تطبيق نص المادة 406 من قانون التجارة، على أن خطاب الضمان تعهد مكتوب غير قابل للإلغاء يصدر من بنك بناءً على طلب عميل له يسمى "الآمر" بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر يسمى "المستفيد"، إذا طلب منه المستفيد ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب، ودون اعتداد بأي معارضة.
وأن خطاب الضمان هو تعهد شخصي ونهائي بشيء بذاته في ذمة البنك، التزاماً أصلياً مجرداً ومباشراً بأداء قيمته للمستفيد متى طلب منه ذلك خلال المدة المبينة فيه، وهو ما يستلزم قيام ثلاث علاقات جنباً إلى جنب، وهي علاقة العميل الآمر والمستفيد، وعلاقة العميل الآمر بالبنك وهي اعتماد بالضمان، وعلاقة البنك بالمستفيد الناشئة عن خطاب الضمان، وهي علاقات مستقلة لا يؤثر بعضها في بعض، ويترتب على ذلك أن البنك ملزم بالوفاء للمستفيد بقيمة خطاب الضمان إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب دون حاجة إلى الحصول على موافقة العميل، ولا يعتبر البنك وكيلاً عن العميل في تمديد خطاب الضمان، ومن ثم لا يسوغ له التمديد لخطاب الضمان بغير موافقة العميل. وأنه بذلك يستقل المستفيد بطلب الدفع ويختص به البنك دون العميل.
وأنه إزاء هذا النهج القضائي في مفهوم خطاب الضمان، فإنه يمثل قانوناً علاقة تعاقدية مستقلة، لا يمكن أن تكون قانوناً محل تدبير مؤقت يصدر عن هيئة قضائية أو تحكيمية، وبذلك فإن هيئة التحكيم غير مختصة أصلاً في اتخاذ مثل هذا التدبير، فضلاً عن عدم شمول شرط التحكيم بالعقد الرابط بين طرفي التحكيم لمسألة خطاب الضمان.
وقد انتهت المحكمة المختصة في قضائها المذكور، إلى بطلان الأمرين الإجرائيين محلا الطعن، الصادرين من هيئة التحكيم في النزاع القائم بين الآمر في خطاب الضمان وهو الشركة المحتكمة، وبين المستفيد وهو الشركة المحتكم ضدها.
ثانياً: في ظل نظام التحكيم السعودي:
من حيث أن المملكة العربية السعودية تُعد طرفًا في اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبي والتي صدقت عليها المملكة في عام 1414ه – 1994م، والتي تؤكد على اختصاص قضاء التحكيم التجاري الدولي باستصدار الإجراءات الوقتية أو التحفظية.
ولما كان نظام التحكيم السعودي يعتمد على قواعد الأونسيترال للتحكيم (UNCTRAL) بعام 1443 ه – 2012م، التي تعطي الحق كذلك في اصدار هيئة التحكيم للتدابير الوقتية أو التحفظية التي قد تأمر بها بناءً على طلب أحد الخصوم، وفقًا لنص المادة السادسة والعشرون منها والمتعلقة بالتدابير المؤقتة، والتي نصت على أنه:
1-
يجوز لهيئة
التحكيم أن
تصدر
تدابير
مؤقتة بناء
على طلب أحد
الأطراف.
2- التدبير
المؤقت هو
أي تدبير
مؤقت تأمر
بمقتضاه
هيئة
التحكيم
أحد
الأطراف في
أي وقت يسبق
إصدار قرار
التحكيم
الذي يفصل
في
المنازعة
نهائياً،
أن يقوم،
على سبيل
المثال لا
الحصر بما
يلي:
(أ) أن يبقى
الحال على
ما هو عليه،
أو أن يعيده
إلى ما كان
عليه إلى
حين الفصل
في
المنازعة.
(ب) أن يتخذ
إجراء بمنع
حدوث "1" ضرر
حالي أو
وشيك أو "2"
مساس
بعملية
التحكيم
نفسها، أو
أن يمتنع عن
اتخاذ
إجراء
يحتمل أن
يسبب ذلك
الضرر أو
المساس.
(ج) أن يوفر
وسيلة لصون
الموجودات
التي يمكن
أن تستخدم
لتنفيذ
قرار لاحق.
(د) أن يحافظ
على الأدلة
التي قد
تكون مهمة
وجوهرية في
حسم
النزاع.
3- يقدم
الطرف الذي
يطلب
التدبير
المؤقت
بمقتضى
الفقرة 2 (أ)
إلى (ج) ما
يقنع هيئة
التحكيم
بما يلي:
(أ) أن عدم
اتخاذ
التدابير
يرجح أن
يحدث ضرراً
لا يمكن
جبره على
نحو واف
بمنح
تعويضات،
وأن ذلك
الضرر يفوق
بكثير
الضرر الذي
يحتمل أن
يلحق
بالطرف
المستهدف
بذلك
التدبير
إذا ما
اتخذ.
(ب) أن هناك
احتمالاً
معقولاً أن
يُفصل في
موضوع
المنازعة
لصالح
الطرف
الطالب
بناء على
وجاهة
دعواه. على
أن البت في
هذا
الاحتمال
لا يمس بما
تتمتع به
هيئة
التحكيم من
صلاحية
تقديرية في
اتخاذ أي
قرار لا حق.
4- فيما
يتعلق بطلب
اتخاذ
تدبير مؤقت
بمقتضى
الفقرة 2 (د)،
لا تسري
المتطلبات
الواردة في
الفقرة 3 (أ) و
(ب) إلا متى
رأت هيئة
التحكيم
ذلك
مناسباً.
5- يجوز
لهيئة
التحكيم أن
تعدل أو
تعلق أو
تنهي أي
تدبير مؤقت
كانت قد
اتخذته،
وذلك بناء
على طلب أي
طرف أو في
ظروف
استثنائية
وبعد إشعار
الأطراف
مسبقاً،
بمبادرة من
هيئة
التحكيم
ذاتها.
6- يجوز
لهيئة
التحكيم أن
تلزم الطرف
الذي يطلب
تدبيراً
مؤقتاً
بتقديم
ضمانة
مناسبة
فيما يخص
ذلك
التدبير.
7- يجوز
لهيئة
التحكيم أن
تلزم أي طرف
بأن يسارع
بالإفصاح
عن أي تغير
جوهري في
الظروف
التي استند
إليها في
طلب
التدبير
المؤقت أو
اتخاذه.
8- يجوز
تحميل
الطرف الذي
يطلب
تدبيراً
مؤقتاً
تبعة أي
تكاليف أو
أضرار
يتسبب فيها
ذلك
التدبير
لأي طرف. إذا
رأت هيئة
التحكيم لا
حقاً أن ذلك
التدبير،
في الظروف
السائدة
آنذاك، ما
كان ينبغي
اتخاذه.
ويجوز
لهيئة
التحكيم أن
تصدر
قراراً
بالتعويض
عن تلك
التكاليف
والأضرار
في أي وقت
أثناء
الإجراءات.
9- لا يعتبر
طلب أي طرف
من السلطة
القضائية
اتخاذ
تدابير
مؤقتة
عملاً
مناقضاً
لاتفاق
التحكيم أو
نزولاً عن
ذلك
الاتفاق").
– وعليه،
ولما كان
طلب وقف
تسييل
الكفالات
البنكية
يعد من
التدابير
والقرارات
الوقتية
التي يمكن
أن تصدرها
هيئة
التحكيم،
فإنه يكون
الرقابة
عليها من
القضاء
المختص،
بدعوى
البطلان،
ويكون
المعيار في
البطلان
لفكرة مدى
مخالفة
قواعد
الشريعة
الإسلامية
والنظام
العام.
الخاتمة والتوصيات
خلص هذا البحث إلى أن كلا النظامين القطري والسعودي يمنحان هيئة التحكيم صلاحيات لإصدار تدابير وقتية، لكن بدرجات متفاوتة. ويُعد النظام القطري أكثر مرونة في هذا السياق، بينما يُقيّد النظام السعودي هذه الصلاحيات لضمان التوافق مع الشريعة الإسلامية.
التوصيات:
1.
تعزيز
التعاون
بين القضاء
وهيئات
التحكيم في
تنفيذ
التدابير
الوقتية.
2. تطوير
آليات ضمان
التنفيذ
الدولي
للتدابير
الوقتية.
3. وضع
معايير
موحدة
لاعتبار
التدابير
الوقتية
متوافقة مع
النظام
العام.
4. منع الطعن
على
القرارات
الوقتية
بالبطلان،
لأن دعوى
البطلان
شرعت للطعن
على الحكم
الفاصل في
النزاع،
وابطال
القرارات
الوقتية
يفتح الباب
لعمل رقابة
على هيئة
التحكيم
فيما تقدره
من قرارات
وقتية،
أياً ما
كانت تلك
القرارات،
حيث طالما
أن القانون
أعطى هيئة
التحكيم
سلطة
إصدارها،
فإنه لا
يمكن سلب
هذه السلطة
تحت مظلة
الرقابة
بدعوى
البطلان.
1.
فتحي والي،
قانون
التحكيم في
النظرية
والتطبيق،
دار
المعارف –
الإسكندرية،
2007
2. التدابير
الوقتية في
دعوى
التحكيم في
النظام
التحكيم –
"دراسة
تحليلية" –
الدكتور
بندر بن
خالد سليم
الذبياني.
3. د. أحمد،
سيد أحمد
محمود،
سلطة
المحكمة في
إصدار
الأحكام
الوقتية
والأوامر
في القانون
المقارن
والكويتي
والمصري،
مجلة
الحقوق،
جامعة
الكويت، 2001،
العدد 3
المجلد 25، ص
94.
4. شرح
الأوراق
التجارية
والعمليات
المصرفية
في القانون
القطري –
دكتور نادر
إبراهيم –
دكتور/ حسام
البطوش –
دكتور/ نزال
الكسواني –
دكتور
ياسين
الشاذلي –
كلية
القانون
جامعة قطر 2020
– 433.
5. عرّفت
المادة
الأولى من
القانون
رقم 2/2017
بإصدار
قانون
التحكيم في
المواد
المدنية
والتجارية
القطري،
المحكمة
المختصة
بأنها:
(دائرة
منازعات
التحكيم
المدني
والتجاري
بمحكمة
الاستئناف،
أو الدائرة
الابتدائية
بالمحكمة
المدنية
والتجارية
لمركز قطر
للمال،
بناءً على
اتفاق
الأطراف).
6. الطعون
أرقام 119/2015
تمييز مدني-
جلسة 26/5/2015 و294+304/2018
تمييز مدني
جلسة 30/10/2018).
The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.