في حالة التعاقد من الباطن بخصوص المقاولات، يقع علي عاتق كلا من المقاول الأصلي والمقاول من الباطن إلتزامات متشابهة تجاه المشروع و رب العمل، إلا أن ذلك التشابه لا يصل إلى حد التطابق، حيث أن مقاول الباطن لا تربطه برب العمل علاقة مباشرة مثل المقاول الأصلي، بل يكون تعاقده مع المقاول الأصلي وفقا للشروط والبنود المتضمنة في إتفاقهما، وهذا ما يبرر مسئولية المقاول الأصلي عما يصدر من مقاول الباطن من أخطاء أو عيوب في التنفيذ، إلا أن كلا من المقاول الأصلي والمقاول من الباطن أيضا يمكن أن يصدر عنهما أخطاء عند قيامهما بأعمال البناء، وبهذا الخصوص يتعين بحث طبيعة إلتزامهما الذي تعبر عنه مسئوليتهما "العقدية" و"التقصيرية" أيضا في بعض الأحيان.

 

أولا: المسئولية العقدية للمقاول الأصلي والمقاول من الباطن:

يعتبر المقاول هو الجهاز التنفيذي لمشروع البناء أو لأي مشروع آخر، لذا يتعين عليه أن يبذل كل الإمكانيات الفنية لإبراز تصاميم المهندس المعماري إلى حيز الوجود، وهو يتقيد في ذلك بمجموعة من الضوابط والمعطيات التقنية والقانونية التي تحكم عقود المقاولات بصورة عامة، ويمكن حصر أسباب مسئولية المقاول الأصلي والمقاول من الباطن العقدية عن إخلالهما بإلتزاماتهما العقدية المنصوص عليها في عقد المقاولة في حالات التأخر في التنفيذ، أو التنفيذ المعيب، أو عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش، وما قد يتضمنه ذلك الإلتزام الأخير من مسئولية تقصيرية أيضا.

1- حالة التأخر في التنفيذ:

يلتزم المقاول بإتمام العمل في المدة المتفق عليها بالعقد، حتى لو أثبت المقاول أن المدة المحددة لم تكن كافية أصلا لإنجاز العمل، إذ أنه يكون مخطئا لقبول الإلتزام بإنجاز العمل في هذه المدة طالما أنها لم تكن كافية، فإذا لم يكن هناك إتفاق على مدة معينة للإنتهاء من العمل، وجب أن يتم العمل في المدة المعقولة التي تسمح بإنجازه وإنهاءه.

وتلك المدة يراعى فيها طبيعة العمل ومدى ما يستلزمه من دقة، وإمكانيات المقاول المعروفة لرب العمل، وما جرى عليه عرف الصنعة، والإلتزام بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو في المدة المعقولة إلتزام بتحقيق غاية وليس مجرد التزاما يبذل عناية، فلا يكفي لإعفاء المقاول من المسئولية عن القيام بالعمل أو عن التأخر في إنهاءه وتسليمه، أن يثبت أنه بذل عناية الشخص العادي في إنجاز العمل في الميعاد في حال لم يتمكن من ذلك، إلا إذا أثبت أن التأخير يرجع إلى سبب أجنبي عنه، كقوة قاهرة أو حادث فجائي أو إلى خطأ رب العمل، كما لو تأخر رب العمل في تسليم المقاول المواد الواجب إستخدامها في العمل، أو كان قد أدخل تعديلات على المواصفات المنصوص عليها في العقد، أو لم يقم بدفع الأقساط المتفق على دفعها في مواعيدها ، ولا يستحق رب العمل تعويضا عن التأخير في تنفيذ العمل أو تسليمه، إلا إذا أثبت حصول ضرر له من جراء ذلك التأخير طبقا للقواعد العامة، ويعفى رب العمل من عبء إثبات الضرر، إذ كان منصوصا في العقد على وجوب دفع تعويض محدد في حالة التأخير، ولكن يحق للمقاول في هذه الحالة أن يثبت أنه رغم تأخره في إنجاز العمل فإنه لم يلحق لرب العمل ضرر نتيجة هذا التأخير، أو أن التعويض المتفق عليه مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، وعندئذ قد لا يستحق رب العمل تعويضا أو يكون من الواجب تخفيض التعويض المتفق عليه.

2- حالة التنفيذ المعيب:

إن تنفيذ العقد يقتضي أن يتم في ظروف سليمة وبنتائج مرضية ويعتبر ذلك من أهم إلتزامات المقاول، فعمله يجب أن يكون مطابقا للمواصفات المحددة في الصفقة وخالي من العيوب التي قد تكون وقعت أُثناء التنفيذ.

 

وقد نصت المادة (650) من القانون المدني  المصري بهذا الخصوص على أنه:

"(1) إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد، جاز لرب العمل أن ينذره بأن يعدل من طريقة التنفيذ خلال ميعاد معقول يعينه له، فإذا إنقضى الأجل دون أن يرجع المقاول إلى الطريقة الصحيحة، جاز لرب العمل أن يطلب إما فسخ العقد وإما أن يعهد إلى مقاول آخر بإنجاز العمل على نفقة المقاول الأول طبقاً لأحكام المادة 209

(2) على أنه يجوز طلب فسخ العقد فى الحال دون حاجة إلى تعيين أجل إذا كان إصلاح ما فى طريقة التنفيذ من عيب مستحيلا."

كما نلاحظ أن المشرع جعل المقاول ضامنا للصفات الواجبة في المواد التي يستخدمها عندما يقدم المادة أو عندما يقدمها رب العمل مع إختلاف بسيط من حيث أساس هذا الضمان، إذ أنه في الحالة الأولى يكون مسؤولا عنها وفقا لضمان العيوب الخفية وفي الحالة الثانية تثبت مسؤوليته بناء على تقصيره في فحص مواد البناء قبل إستعمالها وفقا لمقتضيات النظرية العامة للمسؤولية العقدية، ويسأل المقاول عن كل الضرر الناجم عن تلك العيوب والنقائص ما لم تكن في طبيعتها أن تخفى على شخص مثله، وهذا ما عبرت عنه المادة (648) من القانون المدني حيث نصت على أنه:

"إذا تعهد المقاول بتقديم مادة العمل كلها أو بعضها، كان مسئولا عن جودتها وعليه ضمانها لرب العمل."

 ذلك بالإضافة إلى إمكانية مساءلة المقاول أيضا عن التنفيذ المعيب الناتج عن أخطاء بخصوص تلف أو إستبدال مواد البناء من جانب مقاوليه من الباطن، وفي هذه الحالة يسأل المقاول الأصلي وفقا للمسئولية العقدية، إذ يلتزم المقاول بتسليم مواد البناء سواء كانت مقدمة من طرف رب العمل أو من طرفه إلى المقاول من الباطن بذاتها، ولا يجوز له إستبدالها أو التصرف فيها أو إتلافها، فهذا فضلا عن أنه قد يتعرض للمسئولية الجنائية، كما يؤدي إلى تحمله المسئولية المدنية أمام رب العمل، بما يعني إلزامه بإحضار مواد من نفس الصنف والجودة مع التعويض عن الضرر إذا ترتب عن ذلك تأخير في تنفيذ الأعمال.

 

ثانيا: مسئولية المقاول الأصلي و المقاول من الباطن بسبب الخطأ في تنفيذ التصميم:

لا يسأل المقاول من قبل رب العمل عن تهدم أو تعيب في البناء الذي شيده، أو المنشأ الثابت الذي أقامه عندما يكون قد نفذ بكل دقة وأمانة طبقا للتصميمات، والمقايسات التي وضعها المهندس المعماري، ولكن يسأل إذا كانت تلك التصميمات والقياسات واضحة الفساد ظاهرة العيب، كما لو كانت مخالفة للقواعد الفنية التي لا يـمكن أن يجهلها مثل هذا المقاول المحترف والذي يستطيع أن يلمحها بمجرد الإطلاع عليها، وغالبا ما ترجع عيوب التصميم إلى عدة أسباب، منها عيوب تشكل مخالفة لأصول الهندسة المعمارية، كتصميم أساسات غير كافية لحمل البناء أو المنشأ الثابت، أو الخطأ في قياس الأبعاد المختلفة، بحيث تكون غير متناسبة مع بعضها البعض، وإذا تبين أن العيب قد نشأ عن خطأ كل من المهندس والمقاول، فإن المسئولية تقسم عليهما بنسبة مساهمة خطأ كل منهما في إحداث الضرر، مع مراعاة درجة جسامته، وذلك سواء كان كل منهما قد إرتكب خطأ مستقلا عن الآخر، أو كان الإثنان قد إشتركا في إرتكاب ذات الخطأ.

ويلاحظ عدم مسئولية المقاول من الباطن في "الضمان العشري" الذي نص عليه القانون المدني، بل تكون المسئولية بهذا الصدد على عاتق المقاول الأصلي مع المهندس المعماري، كون المقاول الأصلي له حق الرقابة على مقاوليه من الباطن، وتكون مسئولية المقاول من الباطن بخصوص ذلك الضمان محدودة بالإتفاق المبرم بينه وبين المقاول الأصلي.

 

ثالثا: عدم مراعاة المقاول الأصلي والمقاول من الباطن للقواعد الفنية وأصول الصنعة في التنفيذ:

يجب أن يلتزم المقاول بإتباع الأصول الفنية المعمارية التي تفرضها قواعد الصنعة، طالما لم يتبين فيها خطأ أو قصور، أو مخالفة لتلك الأصول أو لما تقضي به القوانين واللوائح، كل ذلك في حدود إمكانياته وقدراته، فإن تبين شيء من ذلك، كان عليه أن يراجع المهندس المعماري، ليتفقا معا على إتخاذ المنحي السليم والتوجه الصائب حول الأمر المطروح، على أن يكون هدفه من ذلك السعي لتحقيق المصلحة العامة، وليس مجرد الكيد والتعطيل، ليس هذا فحسب بل عليه أيضا أن يراعي في إجراء التنفيذ كل ما تقضي به القواعد الفنية وأًصول الصنعة، وما تفرضه القوانين المنظمة لهذا النوع من النشاط وما تصدره الجهات الإدارية المختصة من تعليمات بخصوص ذلك.

 

رابعا: المسئولية التقصيرية للمقاولين عن عدم تحقق عنصر السلامة داخل الورش:

بجانب الإلتزامات ذات الطابع التعاقدي الصرف سالفة البيان، فإن المقاول يتحمل ببعض الواجبات المهنية الأخرى التي تستوجب المساءلة "التقصيرية" أمام رب العمل أو الغير أو أمام الكافة، فالمقاول بإعتباره رئيسا للورش من حيث التنفيذ يتعين عليه أن يكون يقظا وحذرا في توفير عنصر السلامة والطمأنينة اللازمين لإنجاز العمل  في أحسن الظروف، بأن يتخذ كل ما يلزم من الإجراءات الوقائية لكي يؤمن للعمال والمعاونين له حياتهم وصحتهم أثناء أدائهم الأعمال التي يباشرونها تحت توجيهه أو لحسابه، وهذا النوع من المسئولية يعتبر الأصل فيها أنها صورة من الصور التقليدية للمسئولية التقصيرية، إلا أن ذلك لا يمنع من إمكانية إدراجها ضمن حالات المسؤولية العقدية أيضا، إعمالا لشرط ضمان سلامة العميل، الذي يفرض على المقاول تحقيق السلامة داخل الورش حتى مرحلة تسلم صاحب المشروع للبناء.

وبتلك المناسبة، نشير الى أن كل مقاول سواء كان مقاول أصلي أو مقاول من الباطن يعد مسئولا مسئولية تقصيرية تجاه الغير فيما يتعلق بالمسئولية المبنية على حراسة البناء، أو تلك المتعلقة بحراسة المعدات والالآت، حيث ينظم الأولى المادة (177) من التقنين المدني المصري في فقرتها الأولى والتي تنص على أن:-

"حارس البناء ولو لم يكن مالكا له مسئول عما يحدثه إنهدام البناء من ضرر، ولو كان إنهدامه جزئيا، ما لم يثبت أن الحادث لا يرجه سبب الى عيب فيه."

فقيام المقاول بأعمال إنشائية في البناء تجعل الأخير تحت سيطرته وحراسته، ويكون مكلفا بحفظه، وإتخاذ الدابير اللازمة لمنع ما يهدد الغير، ومناط تلك المسئولية كما أسلفنا هو لم يتولى السيطرة الفعلية على البناء، كما ينظم المسئولية الثانية المادة التي تليها رقم (178) من ذات القانون حيث تنص على أن:-

" كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة، أو حراسة آلات ميكانيكية، يكون مسئولا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، ما لم يثبت أن وقع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، هذا مع عدم الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة."

ونطاق تلك المسئولية هو أن تكون تلك الالآت والمعدات تحت السيطرة القعلية للمقاول، وذلك وقت حدوث الضرر للغير، علما أن تلك المسئولية هى مسئولية مفترضة غير قابلة لإثبات العكس، كما لا تنتهي تلك المسئولية إلا بعد إكتمال الأعمال وتسلم صاحب العمل له، وبدء حيازته له، وذلك وفقا للمبدأ المستقر أن المسئولية في الحراسة تتبدل ولا تتعدد.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.