* قدمت هذه الورقة في ندوة رابطة المحكمين الشباب بغرفة التجارة الدولية بعنوان "إنجاح التحكيم – الاختيارات والتوقعات" والمنعقدة عن بعد بتاريخ 7 إبريل 2021.

كتابة: سلطان مبارك العبدالله، الشريك المدير.

بداية، أتقدم بوافر الشكر والتقدير للأستاذ سعد حجازي ورابطة المحكمين الشباب بغرفة التجارة الدولية، على دعوتهم الكريمة لي للمشاركة في هذه الندوة عن بعد.

قبل عام بالضبط في إبريل 2020 شاركت ولأول مرة في ندوة عن بعد، وللصدفة كانت أيضاً عن التحكيم وكان عنوانها "مستقبل التحكيم في ظل جائحة كورونا" وقدمت فيها ورقة قلت فيها ما نصه "الملاحظ أن مؤسسات التحكيم بدأت في تكييف نفسها مع الواقع الجديد من خلال استحداث آليات تسمح لها بالاستمرار في أداء وظائفها حتى في مرحلة الإغلاق الكامل، مستعينة في ذلك بالتكنولوجيا."

ولعلها فرصة أن نستذكر بعض التطورات التي شهدها التحكيم منذ أن قدمت ورقتي قبل عام، مركزاً على التطوير الذي أدخلته بعض مراكز التحكيم على قواعدها. الحقيقة التي لا تخطئها العين أن العديد من مؤسسات ومراكز التحكيم قامت بتعديل قواعدها بما يتواكب من التوجهات الجديدة في ممارسات التحكيم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: قواعد التحكيم لمحكمة لندن الدولية للتحكيم (LCIA) وبدأ العمل بقواعدها الجديدة في الأول من أكتوبر 2020

ثانياً: قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية (ICC) الجديدة والتي بدأ العمل بها اعتباراً من الأول من يناير 2021

ثالثاً: قواعد التحكيم للمركز الدولي لتسوية المنازعات (ICDR) وهو الفرع الدولي، إن صح التعبير، لجمعية التحكيم الأمريكية (AAA) والتي بدأ العمل بها في الأول من مارس 2021

رابعاً: قواعد مركز سنغافورة للتحكيم (SIAC) الجديدة أعلن عن إطلاقها في الربع الثالث من عام 2021   خامساً: قواعد نقابة المحامين الدولية (IBA) المتعلقة بأخذ الأدلة في التحكيم الدولي (IBA Rules on the Taking of Evidence in International Arbitration) والتي تم إطلاقها في فبراير 2021

إذن لا يخفى على المراقب وجود حركة مستمرة لتطوير قواعد التحكيم بهدف جعل التحكيم أكثر سهولة وانسيابية وأكثر استجابة لاحتياجات المستخدمين له. وهذا في الحقيقة هو سر نجاح التحكيم وسر جاذبيته القوية للشركات والمؤسسات الدولية. فالمحتكمون يتعاملون مع قواعد واضحة ومحددة تم تطويرها بناء على تجارب من سبقوهم من المحتكمين، وتتميز هذه القواعد بالتطوير المستمر في جدلية تاريخية مستمرة.
ولكن ما أريد أن أتطرق إليه هو الآتي: ما هي الخيوط الرفيعة التي تجمع بين هذه القواعد التي تم تعديلها في الشهور الأخيرة أو التي هي قيد التطوير وإلى أين تسير بنا مراكز التحكيم الدولية.

ونظراً لتشعب الموضوع، سأقوم بإيراد بعض الملاحظات عن بعض التعديلات التي تم إدخالها على قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية (ICC) الجديدة والتي بدأ العمل بها اعتباراً من الأول من يناير 2021 لأنها في رأيي تعبر بشكل معقول عن التوجهات العامة لمراكز التحكيم الدولية.

ورغم أن قواعد التحكيم الجديدة لغرفة التجارة الدولية لم تغير في جوهر القواعد السابقة عليها، إلا أنها أضافت أحكامًا جديدة بالإضافة إلى إجراء بعض التعديلات المهمة على القواعد الموجودة بالفعل لتحقيق أهداف منها التعامل مع التطورات التي حدثت في هذا العالم نتيجة جائحة كورونا ولزيادة الكفاءة ولزيادة الشفافية ولضبط وتعزيز إجراءات التحكيم.

الملاحظة الأولى على القواعد الجديدة هي تبني مبدأ التواصل اللاورقي وجلسات الاستماع عن بُعد
فخلال العام المنصرم، أضطر العالم للتعامل مع تحديات التباعد الاجتماعي الناجمة عن جائحة كورونا. فعالجت القواعد الجديدة ذلك من خلال تبني وتطبيق قواعد وإجراءات جديدة توفر قدرًا أكبر من المرونة، لا سيما فيما يتعلق بتبادل المذكرات وعقد الجلسات وخلافه من إجراءات التحكيم.

وعليه، نصت الفقرة الأولى من المادة 26 صراحةً على أنه يجوز لهيئة التحكيم، بعد استشارة الأطراف وبعد أخذ الظروف المتعلقة بالدعوى التحكيمية بعين الاعتبار، أن تقرر إجراء أي جلسة استماع بالحضور الفعلي أو عن بُعد عن طريق الفيديو أو الهاتف أو وسائل الاتصال المناسبة الأخرى. ومعلوم أن قواعد 2017 الملغية كانت تعطي سلطة تقديرية فقط لهيئة التحكيم، أما مع القواعد الجديدة فقد تم إطلاق يد الهيئة التحكيمية في عقد الجلسات عن بعد مع إلزامها فقط باستشارة الأطراف.

أيضاً، الفقرة الأولى من المادة 3 في خصوص الإخطارات المكتوبة، تنص على إرسال نسخة من كل ما يقدمه أي طرف إلى الطرف الآخر وهيئة التحكيم وسكرتارية الغرفة، دون تطلب أن يتم إرسال أو إيداع نسخة ورقية.

الملاحظة الثانية تتعلق بتعديل السقف المالي للتحكيم المعجل
المعلوم أن قواعد التحكيم لسنة 2017 استحدثت قواعد خاصة للقضايا التحكيمية التي تقل قيمتها عن 2 مليون دولار بحيث تكون هناك إجراءات سريعة ويصدر الحكم في مثل هذه الدعاوى في غضون ستة أشهر من تعيين هيئة التحكيم. وأتذكر أن البعض كان يشكك في إمكانية نجاح مثل هذه الإجراءات بسبب ضعف الضمانات الإجرائية فيها كما كانوا يقولون. وما حدث حقيقة أن التحكيم المعجل أثبت نجاحاً هائلاً وقبولاً كبيراً وأدى إلى الفصل في مئات القضايا التحكيمية صغيرة القيمة في غضون فترة وجيزة. فعلى سبيل المثال، من أصل 850 قضية تحكيمية تم تسجيلها لدى الغرفة في عام 2019، تم الفصل في 146 قضية بموجب قواعد الإجراءات المعجلة، أي بواقع 17%.

وبناء على هذا النجاح، تم رفع سقف قيمة القضايا التحكيمية التي تخضع لقواعد التحكيم المعجل من 2 إلى 3 مليون دولار. ورغم تواضع هذه الزيادة، إلا أنني أعتقد أنها ستساهم في سرعة الفصل في العديد من القضايا التحكيمية بشكل مرضٍ للأطراف، وترفع نسبة القضايا التحكيمية التي تخضع لهذا النوع من الإجراءات إلى حوالي 20% إن لم يكن أكثر.

الملاحظة الثالثة تتعلق بمسألة إدخال أطراف إضافية إلى التحكيم
الملاحظ أن القواعد الجديدة قد عدلت المادتين 7 و10 من القواعد الصادرة سنة 2017 من خلال التوسع في إدخال أطراف إضافية إلى القضايا التحكيمية القائمة وأيضاً فيما يتعلق بضم القضايا التحكيمية. وهذا التوسع يهدف إلى تلبية احتياجات وتوقعات الأطراف المشاركة في نزاعات معقدة قد تشمل أطرافًا متعددين وعقود متعددة.
فالفقرة الخامسة من المادة (7) تسمح لهيئة التحكيم بالبت في إدخال أطراف إضافية بعد تعيين الهيئة مباشرة دون تطلب الحصول على موافقة جميع الأطراف ذات الصلة، بشرط أن يوافق الطرف المنضم أو المدخل على تشكيل هيئة التحكيم وعلى مشارطة التحكيم أو وثيقة التحكيم. فمثلاً، لو أراد طرف ما التدخل في الدعوى التحكيمية منضماً إلى المحتكم، فيمكن لهيئة التحكيم ضمه دون أن تطلب موافقة المحتكم ضده على هذا الضم. وكل ما على هيئة التحكيم النظر إليه وأخذه بعين الاعتبار هو توقيت طلب التدخل وتضارب المصالح المحتمل وتأثير التدخل على إجراءات التحكيم قبل اتخاذ قرار بشأن قبول التدخل والانضمام.

الملاحظة الرابعة تتعلق بضم القضايا التحكيمية
في خصوص الضم، تطلبت الفقرة (ب) من المادة (10) من قواعد 2017 أن يتم الضم في حالة إذا ما كانت القضايا التحكيمية ناتجة عن نفس العقد، مع استثناء وحيد وذلك في حالة وجود عقود متعددة ولكنها بين نفس الطرفين أو بين نفس الأطراف.

أما قواعد 2021 فقد توسعت في ذلك من خلال السماح بضم القضايا الناتجة عن نفس اتفاقية أو اتفاقات التحكيم، حسب ما جاء في الفقرة (ب) من المادة (10)، أو القضايا التي محلها اتفاقيات مختلفة، كما ورد في الفقرة (ج) من المادة (10)، بشرط أن تكون شروط التحكيم "متوافقة". إذن، على خلاف القضاء الذي يشترط ارتباط الخصوم والمحل والسبب لضم القضايا، مرة أخرى يظهر التحكيم مرونة أكثر ولا يشترط هذا التطابق التام وإنما يكتفي بوجود ارتباط واقعي بالمسألة أو المسائل المطلوب الفصل فيها في قضايا تحكيمية متعددة للسماح بالضم.

الملاحظة الخامسة تتعلق بسلطة المحكمة في التدخل في تشكيل هيئة التحكيم
أدرجت قواعد 2021 تعديلات هامة أخرى منها ما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم. فقد منحت الفقرة (9) من المادة (12) لمحكمة غرفة التجارة الدولية السلطة التقديرية في "ظروف استثنائية" لتجاهل اتفاق المحتكمين فيما يتعلق بطريقة تشكيل هيئة التحكيم، بل وأجازت هذه المادة للمحكمة أن تعين هيئة التحكيم بأكملها من أجل تجنب احتمال عدم المساواة في المعاملة والظلم الذي قد يؤثر على صحة الحكم.

وهذه الإضافة الجديدة هي الإضافة الأكثر إثارة للجدل في قواعد غرفة التجارة الدولية الجديدة حيث ينتظر كثيرون كيف سيتم تطبيق هذا النص الذي سيتصادم مع ما درج عليه العمل من اعتبار حق الأطراف في تعيين محكميهم كحق أساسي. ولكن هناك من يرى أن هذه الإضافة كانت ضرورية لتصحيح أي عدم توازن قد يكون موجوداً في شرط التحكيم المتفق عليه، بحيث لا يضطر الطرف الذي حرمه الشرط المتفق عليه من حق ما إلى الانتظار إلى مرحلة ما بعد صدور الحكم التحكيمي لتتاح له فرصة الطعن على إجراءات التحكيم. وبالمقابل طبعاً، سيكون هناك من سيسعى إلى إساءة استغلال هذا البند لتأخير إجراءات التحكيم وتأخير الفصل في الدعوى التحكيمية. وحرصاً على الشفافية فيما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم، أتاحت المادة (5) من الملحق الثاني للأطراف الحق في الاطلاع على تسبيب القرارات التي اتخذتها محكمة غرفة التجارة الدولية، ولا سيما بشأن تشكيل هيئة التحكيم.

الملاحظة السادسة تتعلق بالتحكيم المتعلق بمعاهدة
في هذا السياق، تمت إضافة فقرة تستهدف تعزيز المساواة بين الأطراف، وهي الفقرة (6) من المادة (13) التي نصت على أنه في الحالات التي يكون فيها التحكيم ناتجاً عن اتفاق تحكيم ناشئ عن معاهدة، (treaty based)، لا يجوز أن يكون المحكم من نفس جنسية أحد الأطراف، ما لم يكن هناك اتفاق صريح بين الطرفين على خلاف ذلك.

الملاحظة السابعة تتعلق بتجنب تضارب المصالح
الفقرة الثانية من المادة (17) هي إضافة جديدة إلى قواعد غرفة التجارة الدولية، وتتعلق بقدرة الأطراف على تغيير وكلائهم القانونيين أثناء سير الدعوى التحكيمية، مما يهدد أحياناً استقلالية ونزاهة الهيئة التحكيمية. وتمنح الفقرة الثانية من المادة 17 هيئة التحكيم الحق لاتخاذ أي إجراء ضروري لتجنب تضارب المصالح الذي يمكن أن ينتج عن تغيير الوكيل القانوني لطرفٍ ما، بما في ذلك الحق في استبعاد الوكيل الجديد من المشاركة كليًا أو جزئيًا في إجراءات التحكيم. وبالمناسبة، هذا الحق الممنوح لهيئات التحكيم منصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة (18) من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي.

الملاحظة الثامنة تتعلق بزيادة الشفافية في خصوص التمويل عن طريق أطراف ثالثة
أضافت قواعد غرفة التجارة الدولية لعام 2021 أيضًا مادة جديدة 11 (7)، والتي تلزم الأطراف بالإفصاح عن وجود وهوية الطرف الثالث الممول لنفقات التحكيم في حالة وجوده.
والسبب البديهي لذلك، أن هذا الطرف الممول ستكون له مصلحة في نتيجة التحكيم وهو طرف مستفيد ويسعى للتربح من تمويل الدعوى التحكيمية. وبالتالي فإن الإفصاح عن وجود مثل هذا الممول وعن هويته أمر ضروري حتى يمكن فحص تعارض المصالح لدى هيئة التحكيم. فهيئة التحكيم مطلوب منها تأكيد الحيدة والاستقلالية والإفصاح عن أي شيء قد يثير الريبة في حيادها واستقلالها. ولا شك أن وجود أي علاقة لأي محكم مع ممول أحد الطرفين هو من المسائل التي قد تثير الريبة حول الحيدة والاستقلالية، مما سيؤدي في المجمل إلى زيادة الشفافية في العملية التحكيمية. ويلاحظ هنا أن قواعد غرفة التجارة الدولية بقيت محافظة إلى حد ما من خلال عدم تطلب الكشف عن أي اتفاقية تمويل، كما تفعل المادة (44) من قواعد مركز هونج كونج للتحكيم الدولي.

هناك طبعاً بعض التغييرات الأخرى، ولكنها ربما تكون أقل أهمية، مثل تعديل بعض المدد المقررة لتقديم المذكرات والردود والطلبات المقابلة كما وردت في الفقرتين الأولى والسادسة من المادة الخامسة. وكذلك أعطت الفقرة الثالثة من المادة (36) الأطراف الحق في طلب حكم تكميلي من هيئة التحكيم في حالة إغفال الهيئة لأي طلبات تم تقديمها لها أثناء سير إجراءات التحكيم.

وختاماً، تبشر قواعد 2021 بتغييرات إيجابية لكل من الأطراف والمشتغلين بالتحكيم على حد سواء. فقد أدخلت قواعد 2021 تعديلات تبسط وتوفر قدرًا أكبر من المرونة في العملية التحكيمية مع زيادة مساحة الشفافية، وزيادة دور الرقمنة، والمزيد من المرونة في النزاعات المعقدة متعددة الأطراف، والسلطة التقديرية الأكبر الممنوحة لهيئات التحكيم ولمحكمة غرفة التجارة الدولية.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.